خلفيه

شبكة الضيافة - d1d.net

الجمعة، ٣٠ نوفمبر ٢٠٠٧

بورسعيد وحرب أكتوبر 1973



الصمود والاستنزاف

انتهت حرب 5 يونيو أو حرب الأيام الستة كما سمتها إسرائيل بنهاية مأساوية كشفت عن كثير من أوجه القصور في القوات المسلحة المصرية بشكل عام وفي القوات التي تتولى مهام الدفاع الجوي بشكل خاص ولذا وضعت القيادة السياسية جملة من الأهداف لتجاوز النكسة تتمثل فى : إعادة بناء القوات المسلحة ، إعادة الثقة للجنود في أنفسهم وفي قادتهم ، إعادة الضبط والربط ، إعادة تدريب القوات ، تنظيم الوحدات ، ومن هنا بدأت مرحلة الصمود وحرب الاستنزاف وبناء حائط الصواريخ

بعد النكسة حاول الإسرائيليون الدخول واحتلال مساحات أوسع من أرض سيناء حيث تحركت قوات العدو من القنطرة في اتجاه بور فؤاد ولكن بعض قوات الصاعقة المصرية قامت ببث الألغام في طريقهم وعندما تقدم العدو انفجرت هذه الألغام فمنعت العدو من التقدم في 1 يوليو 67
وهى المعركة التى أطلق عليها " معركة رأس العش " .

وعن تلك المعركة ، قال اللواء محمد عبد الغنى الجمسى رئيس هيئة العمليات بحرب اكتوبر 1973 فى مذكراته عن حرب اكتوبر :" فى اليوم الأول الذى تولى فيه اللواء أحمد إسماعيل قيادة الجبهة فى أول يوليو 1967 تقدمت قوة إسرائيلية شمالا من مدينة القنطرة شرق ـ شرق القناة ـ فى اتجاه بور فؤاد ـ شرق بورسعيد ـ لاحتلالها ، وهى المنطقة الوحيدة فى سيناء التى لم تحتلها إسرائيل أثناء حرب يونيو . تصدت لها قواتنا ، ودارت معركة رأس العش ".


وأضاف قائلا :" كان يدافع فى منطقة رأس العش ـ جنوب بور فؤاد ـ قوة مصرية محدودة من قوات الصاعقة عددها ثلاثون مقاتلا . تقدمت القوة الإسرائيلية ، تشمل سرية دبابات ( عشر دبابات ) مدعمة بقوة مشاة ميكانيكة فى عربات نصف جنزير ، وقامت بالهجوم على قوة الصاعقة التى تشبثت بمواقعها بصلابة وأمكنها تدمير ثلاث دبابات معادية . عاود العدو الهجوم مرة أخرى ، إلا أنه فشل فى اقتحام الموقع بالمواجهة أو الالتفاف من الجنب ، وكانت النتيجة تدمير بعض العربات نصف جنزير بالإضافة لخسائر بشرية واضطرت القوة الإسرائيلية للانسحاب ، وظل قطاع بور فؤاد هو الجزء الوحيد من سيناء الذى ظل تحت السيطرة المصرية حتى نشوب حرب أكتوبر 1973 ".


وبحسب الجمسى ، فقد كانت هذه المعركة هى الأولى فى مرحلة الصمود ، التى أثبت فيها المقاتل المصرى ـ برغم الهزيمة والمرارة ـ أنه لم يفقد إرادة القتال .

وفي 2 يوليو 67 ، حاولت إسرائيل الاستيلاء علي بور فؤاد ولكن أفراد القوات المصرية تصدوا لهم بالأسلحة الخفيفة ودمرت عربات المدرعات المتقدمة واضطر العدو أن ينسحب بقواته وسميت هذه المعركة بمعركة راس العين .

وفى 14، 15 يوليو 67 ، قامت القوات المصرية بإطلاق مدفعية عنيفة علي طول الجبهة وذلك بعد اشتباكات مع العدو في الجنوب في اتجاه السويس والفردان وقد كان ذلك تمهيدا لطلعة طيران قوية حيث خرجت القوات الجوية باكملها وهى تضرب في الجنوب فتحول العدو بقواته الي الجنوب وترك الشمال بغير غطاء فانطلق الطيران المصري الي الشمال وأوقع خسائر كبيرة فى صفوف القوات الاسرائيلية .


وقامت القيادة الاسرائيلية علي صدي هذه الضربة الجوية الصائبة بطلب وقف اطلاق النار من امريكا التي كلفت سكرتير عام الامم المتحدة بابلاغ الرئيس جمال عبد الناصر عبر التليفون بهذا الطلب الاسرائيلي وكان قائد الطيران في هذا الوقت هو الفريق مدكور أبو العز.


وفي 21 أكتوبر67 ، قامت البحرية المصرية بتدمير المدمرة الإسرائيلية إيلات ، ويروى اللواء محمد عبد الغنى الجمسى فى مذكراته عن حرب اكتوبر تفاصيل ما حدث في هذا اليوم ، قائلا :" جاء يوم 21 اكتوبر 1967 وقد وصلت إلى مركز قيادة الجبهة بعد راحة ميدانية ، فوجدت اللواء أحمد إسماعيل ومعه العميد حسن الجريدلى رئيس عمليات الجبهة (وقد كنت أنا وقتها رئيس أركان للجبهة) يتابعان تحركات المدمرة الإسرائيلية إيلات بالقرب من المياه الإقليمية لمصر فى المنطقة شمال بورسعيد . كانت المعلومات تصلنا أولا بأول من قيادة بورسعيد البحرية التى كانت تتابع تحركات المدمرة ، وقد استعدت قوات القاعدة لمهاجمة المدمرة عندما تصدر الأوامر من قيادة القوات البحرية بالتنفيذ . وظلت المدمرة المعادية تدخل المياه الإقليمية لفترة ما ثم تبتعد إلى عرض البحر ، وتكرر ذلك عدة مرات بطريقة استفزازية وفى تحرش واضح ، لإظهار عجز قواتنا البحرية عن التصدى لها ".

وأضاف الجمسى قائلا : :" وبمجرد أن صدرت اوامر قائد القوات البحرية بتدمير هذه المدمرة عند دخولها المياه الإقليمية ، خرج لنشان صاروخيان من قاعدة بورسعيد لتنفيذ المهمة . هجم اللنش الأول بإطلاق صاروخ أصاب المدمرة إصابة مباشرة فأخذت تميل على جانبها ، وبعد إطلاق الصاروخ الثانى تم إغراق المدمرة الإسرائيلية " إيلات " شمال شرق بورسعيد بعد الخامسة مساء يوم 21 أكتوبر 1967 وعليها طاقمها . وقد غرقت المدمرة داخل المياه الإقليمية المصرية بحوالى ميل بحرى.


عاد اللنشان إلى القاعدة لتلتهب مشاعر كل قوات جبهة القناة وكل القوات المسلحة لهذا العمل الذى تم بسرعة وكفاءة وحقق تلك النتيجة الباهرة" .

وأكد الجمسى أن إغراق المدمرة إيلات بواسطة الصواريخ البحرية التي استخدمت لاول مرة كان بداية مرحلة جديدة من مراحل تطوير الأسلحة البحرية والقتال البحرى فى العالم وأصبح هذا اليوم ـ بجدارة ـ هو يوم البحرية المصرية.

ووفقا للجمسى فقد طلبت إسرائيل من قوات الرقابة الدولية أن تقوم الطائرات الإسرائيلية بعملية الإنقاذ للأفراد الذين هبطوا إلى الماء عند غرق المدمرة واستجابت مصر لطلب قوات الرقابة الدولية بعدم التدخل فى عملية الإنقاذ التى تمت على ضوء المشاعل التى تلقيها الطائرات ولم تنتهز مصر هذه الفرصة للقضاء على الأفراد الذين كان يتم إنقاذهم ، مشيرا إلى أن هذه الضربة كانت هي حديث العالم كله .

حرب الاستنزاف

هو التعبير الذى أطلقه الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر على العمليات العسكرية التي دارت بين القوات المصرية والاحتلال الإسرائيلى شرق قناة السويس والتى نقلت مصر خلالها المعركة إلى مواقع العدو بعد أن نجحت في مرحلة الصمود ومنع العدو من احتلال أراض جديدة وكان الهدف الأساسى من تلك الحرب هو إسقاط أكبر عدد ممكن من القتلى والجرحى والآليات في صفوف العدو وتدريب الجنود المصريين على عمليات قتالية في شرق القناة تمهيدا للحظة العبور.

وقد شرح جمال عبد الناصر فلسفته في هذة الحرب في حوار مع الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل قائلا :" أن يستطيع العدو أن يقتل 50 ألفا منا فإننا نستطيع الاستمرار لأننا نمتلك لاحتياطي الكافي و لكن أن يفقد العدو 10 آلاف فسوف يجد نفسه مضطر إلى أن يوقف القتال فهو لا يمتلك الاحتياطي البشري الكافي "
.

وبدأت تلك الحرب في مارس 1969 وانتهت بموافقة عبد الناصر على مبادرة وزير الخارجية الأمريكى روجرز لوقف إطلاق النار فى الثامن من أغسطس 1970 .


في كتاب " أسرار جديدة عن حرب الاستنزاف" الذى صدر عن الهيئة المصرية للكتاب في 2005 ، واعتمد في محتوياته على شهادة شخصيتين كان كل منهما قريبا جدا من أسرار حرب الاستنزاف وعملياتها هما: عبده مباشر رئيس القسم العسكري الاسبق في الأهرام، وعميد بحري سابق هو إسلام توفيق ، جاء أن اللواء محمد صادق مدير المخابرات الحربية في هذا الوقت أقنع الرئيس عبد الناصر أن صورة القائد والضابط والجندي الإسرائيلي في مخيلة القوات المصرية على ضوء نتيجة يونيو 1967 هي صورة المقاتل السوبر (المقاتل الذي لا يقهر)، ولو تم ترك هذه الصورة لتترسخ لأصبح من المتعذر على القوات المصرية أن تواجه جيش الاحتلال الاسرائيلي في أي صراع عسكري مقبل .

ووفقا للواء محمد صادق ، فإنه إذا كانت مصر ستخوض معركة مقبلة لتحرير أرضها واستعادة كبريائها فإن الخطوة الأولى هي تحطيم صورة المقاتل الاسرائيلي السوبر قبل أن تترسخ في عقول المقاتلين المصريين ، ولتحقيق هذا الهدف فإنه من الضروري أن تبدأ عمليات فدائية ضد قوات الاحتلال الاسرائيلي في شرق قناة السويس ، مؤكدا أن سقوط قتلى وجرح وأسرى فى صفوف العدو سيؤدي إلى استنزافه ونزع هذه الهالة التي اكتسبوها في يونيو 1967.


ولذا تضمنت حرب الاستنزاف هجمات متعددة ضد الاحتلال في سيناء وحتى فى مناطق خارج منطقة الصراع تماما مثل عملية تفجير حفار إسرائيلي في المحيط الاطلنطي ، ومن أهم منجزاتها عملية ايلات التي تم خلالها الهجوم على ميناء أم الرشراش الذي أسمته إسرائيل إيلات بعد احتلاله حيث تم تلغيم الميناء وقتل عدد من العسكريين وإغراق بارجة إسرائيلية وذلك من قبل رجال الضفادع البشرية المصريين بالتعاون مع القوات الأردنية والعراقية ومنظمة التحرير الفلسطينية.

لقد سطر أبطال "المجموعة 39 قتال" التي كان يقودها العميد إبراهيم الرفاعي الذى استشهد فيمابعد بحرب أكتوبر بأسمائهم في سجل التاريخ بالنظر إلى المهام الخطيرة التى أوكلت إليهم وتم تنفيذها بنجاح خلال حرب الاستنزاف ، وكانت تلك المجموعة تضم خيرة مقاتلي الصاعقة والضفادع البشرية والصاعقة البحرية وأذاقت جيش الاحتلال الإسرائيلي الويل والأهوال وسببت لجنوده حالة هيستيريا دائمة حتى أنهم كانوا يحاولون الوصول بأية وسيلة إلي معلومات عن تلك المجموعة وأساليب عملها ، بل أنهم حددوا أسماء ثلاثة من رجال المجموعة للوصول إليهم أحياء أو أموات وهم الشهيد إبراهيم الرفاعي والقائد الثاني للمجموعة الدكتور علي نصر ثم المقاتل الفذ علي أبو الحسن الذي شارك في 44 عملية خلف خطوط العدو في حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر .

حائط الصواريخ

في رد وحشى على خسائره في حرب الاستنزاف ، هاجم العدو الإسرائيلى أهدافا مدنية داخل مصر بسبب ضعف الدفاعات الجوية المصرية مثل مجزرة بحر البقر التي قصف فيها العدو مدرسة ابتدائية وأدت تلك العمليات الجوية الاسرائيلية إلى دفع مصر لإنشاء سلاح للدفاع الجوي كقوة مستقلة في عام 1968 وتبعه إنشاء حائط الصواريخ الشهير بالاعتماد الكلي على الصواريخ السوفيتية سام وقد حمى كل السماء المصرية وأضعف التفوق الجوي الاسرائيلي.

لقد كانت قوات الدفاع الجوي قبل النكسة تعتبر فرعاً من سلاح المدفعية، وتحت القيادة العملياتية للقوات الجوية وهذا التنظيم معمول به في كثير من دول العالم ولكن من دروس حربى 1956 و 1967 وجد أن القوة الجوية الإسرائيلية مركزة في يد قائد واحد ولذا من الضرورى تركيز جميع الأسلحة والمعدات المضادة لها والمكلفة بالتعامل معها وصدها في يد قائد واحد ضماناً للتنسيق وتوحيداً للمسئولية وتحقيقاً للنجاح.

وكان القرار بإنشاء قوات الدفاع الجوي المصري قوة مستقلة قائمة بذاتها، لتصبح القوة الرابعة ضمن القوات المسلحة المصرية التي تشمل القوات البرية والبحرية والجوية وذلك في أول فبراير 1968 .

وبدأ التخطيط لبناء منظومة دفاع جوي من منطلق الدور الرئيسي لهذه المنظومة والذي يتمثل في توفير الدفاع الجوي عن القوات والأهداف الحيوية في الدولة ضد هجمات العدو الجوي لذا ينبغي أن تحقق المنظومة ثلاثة أهداف رئيسية هي استطلاع العدو الجوي والإنذار عنه ومنع العدو من استطلاع القوات المصرية ثم توفير الدفاع الجوي عن القوات والأهداف الحيوية.

ولتحقيق هذا تضمنت منظومة الدفاع الجوى عدة عناصر متناسقة متعاونة تعمل تحت قيادة واحدة هي : نظام القيادة والسيطرة ، نظام الاستطلاع والإنذار ويضم أجهزة رادار أرضية أو محمولة جواً، وأقماراً صناعية، وشبكات المراقبة الجوية بالنظر ، نظم القتال الإيجابية، وتشمل: المقاتلات، والصواريخ الموجهة، والمدفعية المضادة للطائرات ، أنظمة الحرب الإلكترونية.

أما بالنسبة لحائط الصواريخ ، فإنه عندما ارتفعت خسائر إسرائيل نتيجة حرب الاستنزاف فقد قررت فى ‏6‏ يناير‏1970 بناء على اقتراح وزير الحرب موشى ديان إدخال السلاح الجوى الإسرائيلي إلى المعركة ، وزعمت رئيسة وزراء إسرائيل في هذا الوقت جولدا مائير أن الطريقة الوحيدة لمنع المصريين من تحرير سيناء هي ضرب العمق المصري
بعنف.‏

ودخل الطيران الإسرائيلي بكل ثقلة مدعوما بالمقاتلات الحديثة من طراز سكاى هوك والفانتوم والميراج ليبدأ بمهاجمة القوات العسكرية فى البداية ثم انتقل إلى الأهداف المدنية .

ونظرا لأن السياسة التى اتبعها السوفيت عقب نكسة 1967 كانت تقضى بتزويد مصر بأسلحة دفاعية وعدم تزويدها بأسلحة متقدمة فقد فرضت إسرائيل سيطرتها الجوية ليس فقط على الجبهة ولكن على مصر كلها .

ونفذ الاحتلال الإسرائيلى العديد من الهجمات الجوية خلال الفترة من يناير حتي إبريل عام‏1970‏ م وبلغ إجمالي طلعات الطيران‏3838‏ طلعة جوية ، وخلال هذا التصعيد ارتكبت مقاتلات الاحتلال الإسرائيلى جريمتين بشعتين وهما الغارة الجوية على مصنع أبو زعبل والأخري على مدرسة بحر البقر في 8 إبريل 1970 ، الأولى تسببت بمقتل 70 عاملا وإصابة 69 آخرين وزعمت إسرائيل أنها وقعت بطريق الخطأ والأخرى تسببت بمقتل 31 طفلا وجرح 36 آخرين ، مما أساء الاستياء العالمى.

أمام كل هذا عقد الرئيس جمال عبد الناصر ثلاثة اجتماعات رئيسية مع القيادت الجوية والدفاع الجوى اللذين أكدوا له عجز شبكة الدفاع الجوى المصرى عن التصدي للطائرات الإسرائيلية بأجهزتها المتطورة ولذلك قرر السفر إلى موسكو فى زيارة سرية لامداد مصر بنظام دفاع جوى متكامل .

كانت شبكة الدفاع الجوى اللازمة للجيش المصرى تطلب عدة عناصر رئيسية وهى: وجود أجهزة رادارية متطورة للانذار المبكر وتتبع الطيران المعادى ، توافر مقاتلات اعتراضية للاشتباك والمطاردة خارج الحدود ، ايجاد شبكة متطورة من الصواريخ أرض جو للدفاع الثابت ، توافر الأجهزة الإلكترونية التى يمكن بفضلها اكتشاف الطائرات المعادية على مسافات بعيدة وأيضا إطلاق صواريخ جو جو أو أرض جو على الطائرات المغيرة .

ولذا طلب جمال عبد الناصر من السوفيت تزويد مصر بوحدات كاملة من المقاتلات الاعتراضية المتطورة (ميج 21 بالمحرك ي 511) ووحدات متكاملة من كتائب صواريخ سام 3 لمواجهة الطيران المنخفض وأيضا أجهزة رادار متطورة للانذار (ب15) .

وفي هذا الصدد ذكر الفريق محمد زاهر عبد الرح أحد قادة قوات الدفاع الجوى في أحد تصريحاته أن الصراع العربي‏ الإسرائيلي تحول في ذلك الوقت إلي صراع بين القوات الجوية الإسرائيلية وقوات الدفاع الجوي المصرية حتي أن الرئيس‏ جمال عبدالناصر اجتمع مع بعض من قادة لواءات وكتائب الصواريخ مرتين خلال شهر إبريل‏1970‏ ‏.‏

ووفقا لما ذكره الفريق محمد زاهر فقد بدأ التنفيذ‏ لبناء شبكة الصواريخ بالجبهة وتم حشد كميات هائلة من المواد الهندسية لتنفيذ بناء مواقع الصواريخ‏,‏ وصلت إلي‏30‏ مليون متر مكعب من أعمال الحفر والردم و‏3‏ ملايين متر مكعب من الخرسانة ومئات الكليومترات من الطرق‏‏ واشترك في البناء معظم شركات المقاولات المصرية مع زملائهم من ضباط وجنود القوات المسلحة‏‏ واستمرت إسرائيل في مهاجمة قواعد الصواريخ الجاري إنشاؤها واستشهد العديد من رجال وشباب القوات المسلحة والمهندسين والعمال من شركات المقاولات وسالت الدماء علي أرض مصر في سبيل تحرير الأرض واستكمال تنفيذ بناء القواعد‏.‏

وفي صباح يوم‏30‏ يونيو 1970 تم استكمال مواقع الصواريخ على طول الجبهة وكانت المفاجأة الكبري لإسرائيل فقامت في نفس اليوم بهجوم جوي بعدد‏24‏ طائرة مقاتلة وكانت النتيجة تدمير أربع طائرات وأسر ثلاثة طيارين ولذا أطلقت المعاهد الإستراتيجية العالمية علي الإنجاز المصرى ‏أسبوع تساقط الفانتوم واستمرت المحاولات الإسرائيلية لتدمير شبكة الصواريخ وخلال‏38‏ يوما وحتي‏1970/8/7‏ كانت خسائر الجانب الإسرائيلي كما نشر في مجلة "‏Aviationweek‏ " هي تدمير‏17‏ طائرة وإصابة‏ 34‏ طائرة أخرى ‏.‏

وفي تأكيد على براعة حائط الصواريخ المصرى ، صرح عزرا وايزمان الذى كان قائدا لسلاح الجو الاسرائيلى في الفترة من 1958 - 1966 وكان مستشارا لرئيس أركان الجيش الإسرائيلى في حرب أكتوبر وتولى رئاسة إسرائيل في الفترة من 1993 - 2000 ، بأن حرب الاستنزاف انتهت دون أن تجد إسرائيل حلا لمشكلة صواريخ الدفاع الجوي‏ ، قائلا :" لقد فشلنا في تدمير شبكة الصواريخ وإنني مقتنع أنها المرة الأولي التي لم ننتصر فيها" ‏.‏

قالوا عن حرب الاستنزاف

يؤكد الخبراء العسكريون أن حرب الاستنزاف هى التى مهدت الطريق لنصر 6 أكتوبر ، ففى تقرير نشرته جريدة "العربى الناصرى " فى 5 أكتوبر 2003 ، قال اللواء صلاح المناوي رئيس عمليات القوات الجوية المصرية خلال حرب أكتوبر :" إن حرب الاستنزاف كانت المدرسة التي أعدت القوات المسلحة المصرية لحرب أكتوبر المجيدة فقد كشفت لنا حرب الاستنزاف كل تجمعات العدو وطريقة اقترابه في الهجوم والشكل القتالي الذي يتواجد به كما كشفت لنا أيضا عدد طائرات العدو المستخدمة في الجو والأخري بالمظلات مما ساعدنا علي إعداد خطة أكتوبر ونجاح القوات المسلحة الباسلة في تدمير طائرات العدو وهي علي الأرض".

ومن جانبه ، قال اللواء علي حفظي قائد قوات الاستطلاع في حرب 73 أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر أعطي الأولوية القصوي لإعادة بناء القوات المسلحة بعد نكسة 1967 وإعادة تسليحها وإثبات زيف إدعاء العدو بأن القوات المسلحة المصرية انتهت ولذا كان الرد المصري سريعا جدا علي هذه الإدعاءات فهاجمت 24 طائرة مصرية مواقع العدو في سيناء في أكتوبر 1967 وضربت قواعده وعادت كلها سالمة ، وعندما حاول الإسرائيليون التحرك شمالا للاستيلاء علي بورتوفيق ورصدوا لها قوة مدرعة كبيرة تصدت لها وحدة من قوات الصاعقة المصرية ودمرت أسلحتهم واضطرتهم للانسحاب بعد الهزيمة في رأس العش.

وفي السياق ذاته ، أكد اللواء أحمد حجازى أحد أبطال نصر أكتوبر أن التاريخ لن ينسي الانتصارات المصرية خلال حرب الاستنزاف فهذه الحرب غيرت وجهة النظر الحربية خاصة في القوات البحرية فبعد نجاح القوات البحرية المصرية في تدمير ميناء إيلات استبدلت جيوش العالم كله المدمرات والقطع الكبيرة بالزوارق واللنشات الخفيفة.

وأضاف اللواء حجازي أن قرار إخلاء مدن القناة كان قرارا حكيما ساعد في بناء القوات المصرية والإعداد لحرب أكتوبر ، قائلا :" العدو الإسرائيلي كان يوجه الضربات إلي قوات الجيش المصري في مناطق المواجهة ولا نستطيع الرد عليه بسبب تواجد المواطنين هناك ولكن بعد قرار إجلاء المواطنين في مدن القناة نجحت القوات المصرية في الرد عليهم وإعطاء الفرصة للضباط والجنود للتدريب العملي " ، مشددا على أن حرب الاستنزاف كانت نصرا لمصر ولذا سارعت أمريكا لإنقاذ إسرائيل عبر مبادرة روجرز لوقف إطلاق النار .

ويمكن القول ، إن حرب الاستنزاف دحضت المزاعم الإسرائيلية حول أن الجيش المصرى تحول إلى جثة هامدة .

احتفالات افتتاح قناة السويس



جاء في كتاب وصف مصر أن حفل افتتاح قناة السويس فاق ذلك أنه لما قرب الانتهاء من حفر قناة السويس والذي تجاوز العشر سنين من 25 أبريل 1859 تاريخ دق أول معول في أرض القناة وحتى 17 نوفمبر 1869 تاريخ الافتتاح لأوعز دي ليسبس للخديوي إسماعيل بدعوة ملوك أوروبا وأمرائها ورؤساء الحكومات فيها ورجال السياسة والعلم والأدب والفن لمشاهدة هذا المهرجان ، ومن مشاهير من دعاهم الخديوي إسماعيل لتلك الحفلات الرحالة الإنجليزي صمويل بيكر الذي اكتشف بحيرة البرت والذي اصطحب معه إلى مصر الأمير إدوارد ولي عهد إنجلترا كما حضر تلك الحفلات المصور والأديب الفرنسي المشهور أميل زولا والأمير هنري ولي عهد هولندا والأميرة قرينته والإمبراطور فرنسوا جوز يف والأمير فردريك ويلهام ولي عهد روسيا والإمبراطورة أوجيني

ومنذ صباح 16 نوفمبر 1869 ( بداية الاحتفالات ) اصطفت قوات كبيرة من الجنود المصريين بين الميناء والثلاث منصات التي أقيمت علي الرصيف الشمالي للمدينة ( في مكان بيت الراهبات بجوار المطافئ الآن ) كما نصبت المدفعية المصرية بين حاجز الأمواج الغربي وساحة الاحتفالات وانتشرت الزينات وارتفعت الأعلام في جميع أرجاء مدينة بورسعيد وطليت المساكن ودور الحكومة .

بورسعيد أرض النضال

مدينة بورسعيد رغم حداثة عهدها إلا أن أرضها كانت أرض النضال وامتاز شعبها بوطنيته وغيرته على أرضه وكان مغوارا ومقداما للزود عن تراب بلده .

أول قارب يعبر القناة إلي الإسماعيلية في 1865/8/15

وصول يخوت الملوك بالقرب من الاسماعليه

عملات تذكاريه تم اصدارها بمناسبه فتح القناه

الخديو اسماعيل والامبراطور فرانسواوالامبراطوره اوجينى

الخميس، ٢٩ نوفمبر ٢٠٠٧

نشأة بورسعيد



أما مدينة بورسعيد فنشأت نشأة غريبة خلاف تلك الحضارات فعندما وطأت قدما ( فرديناند دي ليسبس ) أرض تلك المنطقة في 25 أبريل 1859 لم يكن فيها أي مقومات للحياة فقد كانت عبارة عن أرض صحراوية جرداء منخفضة عن سطح البحر تغمرها المياه في زمن الفيضان ، وتحدي الإنسان الطبيعة فقام دي ليسبس باستجلاب مياه الشرب من المناطق القريبة سواء من دمياط أو من المطرية ولكنها لم تسد حاجة العمل ، وبتقدم الزمن وصلت المياه لبورسعيد بعد توصيل أنابيب ذات قطر واسع لنقل المياه من ترعة العباسة ، وانتهت مشكلة المياه للأبد بعد حفر قناة المياه العذبة واعتبر شقها حدثا تاريخيا عند أهل بورسعيد لا يقل عن حدث شق قناة السويس .

وكانت بورسعيد في عزلة عن العالم المحيط بها لعدم وجود طرق معبدة ، وخلال حفر قناة السويس تحملت الشركة تكاليف تعبيد الطريق الموازي للقناة ، كما أفتتح الخديوي عباس أول خط حديدي يربط بورسعيد بالإسماعيلية في 3 ديسمبر 1893 .

وبدأ العمران يتغير فبعد أن كانت الخيام هي وسيلة الإعاشة للعمال والمهندسين استبدلها دي ليسبس بأكواخ خشبية ، كما تم الاستفادة من ناتج الحفر فتم ردم أرض المدينة لتغطية المياه الراكدة ، كما أقام حاجز رملي علي هيئة سد عند الحد الشمالي للمدينة المطل علي البحر لصد الأمواج ، وقد أطلق علي الرصيف اسم الإمبراطورة أوجيني زوجة نابليون الثالث .

كما بدأت الخريطة السكانية للمدينة تتغير فبعد أن كانت هناك تجمعات عمالية إحداها للمصريين والأخرى للأجانب تحولت إلى حي الإفرنج يفصله عن قرية العرب في الغرب قطعة أرض فضاء ، وقد تم تقسيم المدينة رسميا إلى قسمين ( الإفرنج والعرب 1867 ) وعرف الفاصل فيما بعد بشارع محمد علي .

وقد ظهر في أقصي الغرب من المدينة حي المناخ ، وترجع تسميته إلى اناخة الإبل حيث كان الحي مكان لوصول قوافل الإبل المحملة بالمواد الغذائية والمياه القادمة من دمياط .

وقد يبدو للكثير أن حي المناخ هو أقدم أحياء بورسعيد بينما الحقيقة أن حي الإفرنج نواة المدينة يليه حي العرب ثم المناخ .

وفي أقصي الجنوب ظهر حي القابوطي وهو تجمع للصيادين وترجع تسميته إلى وجود شيخ يدعي الشيخ الخربوطي وان كانت المراجع الأجنبية تعزي تلك التسمية إلى الكلمة الإنجليزية ( CAP-BOAT )

وكان أول محافظ لبورسعيد هو إسماعيل حمدي حيث أنشأ الخديوي إسماعيل محافظة القنال في مارس 1863 ، كما كانت شركة قناة السويس المسيطرة علي إيجار وتمليك الأراضي في أول عهد المدينة .

وبعد الانتهاء من حفر قناة السويس وافتتاحها في 17 نوفمبر 1869 بدأ وضع الاستقرار السكاني في المدينة ، وبدء العمال سواء مصريين أو أجانب في إحضار أسرهم من أوطانهم الأصلية ، وكان المجتمع البورسعيدي ( السكاني ) مجتمعا غريبا نظرا لتوافد أناس من كل جنس ولون ، وكان لكل منهم طابعه الخاص المتميز ، فقسم الحي الواحد إلى عدة أحياء صغيرة كان يطلق عليها لفظ حارة تقطنها جالية معينة أو أبناء وطن واحد أو حزمة واحدة .

وبالرجوع لتعداد السكان الرسمي لمصر 1882 نجد أن مدينة بورسعيد قد ظهرت لأول مرة مع باقي المدن المصرية بمجموع سكان 17.58 نسمة وكان نصيب الأجانب من هذا المجموع يمثل 2937 نسمة بما يوازي 17% من إجمالي سكان بورسعيد بين يوناني ، إيطالي ، بريطاني ، فرنسي ، تركي ، وكان وكلاء القناصل هم ممثلو الجنسيات الأجنبية .

وكانت الجالية اليونانية هي اكبر الجاليات الأجنبية في بورسعيد حيث بدأ تشغيل عمال أوروبيين في حفر القناة بعد أن ألغي الخديوي إسماعيل السخرة ، وقد وصل إلى مناطق الحفر خمسة آلاف عامل يوناني أغلبهم من جزيرة كاسوس ( أطلق عليهم الكاشوتية ) وبعد افتتاح القناة عاد أغلب هؤلاء لوطنهم الأصلي ، أما من بقي منهم فقد أحضروا عائلاتهم من أوطانهم الأصلية ، وأصبحت جميع تجارة التجزئة في بورسعيد في يد اليونانيين الذين أقاموا أول سوق تجاري بشارع القسطنطينية ( الجيش حاليا) .

أما الجالية الإيطالية فكانت تعتبر الجالية الثانية من حيث كثافة السكان في بورسعيد ، وقد وصل أغلب أفرادها بعد افتتاح القناة وسيطرت علي الحركة الفندقية كما اشتهروا بامتلاك البارات والمطاعم ومحال الحلويات وكانت لهم مؤسساتهم الثقافية ( الكازا دي إيطاليا ) .

أما الجالية البريطانية فقد ظهر تأثيرها جليا بعد شراء بريطانيا نسبة كبيرة من أسهم قناة السويس ، وزاد بعد احتلال إنجلترا لمصر عام 1882 ، وتملكوا الشركات الملاحية وشركات الفحم وتمركزت في أيديهم الأعمال المصرفية .

أما الجالية الفرنسية وصل أفرادها بصحبة دي ليسبس ، وتمركزت التجارة في أيديهم أيام الحفر ، وأثروا ثراء فاحشا ، وبعد افتتاح القناة أنشأوا الشركات الملاحية وأمتد النشاط الفرنسي إلى الأعمال المصرفية ، وكان أفردها يمثلون الطبقة الأرستقراطية بين الجاليات نظرا لنفوذهم في شركة قناة السويس ، وكان عيد قيام الجمهورية الفرنسية من أهم احتفالاتهم ، وكان يفوق الوصف لدرجة أن سكان المناطق المحيطة ببورسعيد كانوا يحضرون لها للاستمتاع بمباهج هذا الاحتفال .

أما قرية العرب أو حي العرب الذي كان يقطنه أبناء مصر فكانت مساكنه في غاية البساطة ، مبنية من الخشب ، وليس به الا شارعين عبارة عن امتداد لشارعي دي ليسبس ( سعد زغلول حاليا ) وأوجيني ( صفية زغلول حاليا ) أما حوانيت هذا الحي فصغيرة تكاد تكون خاوية من البضائع الهامة حيث يعرض فيها البضائع البسيطة كما يكثر في هذا الحي عربات الكارو التي تعرض فوقها المأكولات الشعبية ويكثر صياح الباعة وندائهم علي بضائعهم وكانت قرية العرب خالية من وسائل التسلية إلا من بعض القهاوي الشعبية وكانت التجمعات السكانية في هذا الحي مقسمة حسب مناطق توافد أبناء مصر من أوطانهم الأصلية فنجد تجمع الصعايدة كل حسب محافظته كأبناء قنا وسوهاج وأسوان ، وأشهرهم أبناء النوبة وكانت لهم جمعية الإحسان النوبية ، كذا بالنسبة لأبناء الدلتا كأبناء دمياط والمطرية والدقهلية والغربية وأشهر هؤلاء الشراقوة أبناء الشرقية التي لعبت دورا هاما في الإمداد والتموين في زمن الحفر وتحول هذا التجمع إلى شارع عرف بشارع الشرقية .

وكان لكل حارة شيخ خاص بها مسئول مسئولية كاملة عن جميع من يقطن داخل حارته أمام جهات الإدارة ، ويرأس شيوخ الحاران شيخ واحد يطلق عليه ( شيخ قرية العرب ) وكانت له الكلمة العليا والنفوذ الأكبر ، وكان بمثابة القاضي والحاكم وكان غالبا من رجال الدين وهم صفوة المجتمع في ذلك الوقت ومشمولين باحترام الجميع هذا ويضاف أن حي العرب كان يضم تجمعات سكانية حسب الحرف كالسقاءين والصيادين والفلايكية والفحامة ، وكان لكل حرفة شيخ يتولي الدفاع عن حقوق أفرادها ، وكان ينتخب فيما بينهم حسب كبر سنه وخبرته وقوة شخصيته .